يقول رحمه الله في تفسير قوله تعالى: ((سَبِّحِ اسْمَ رَبِّكَ الأَعْلَى))[الأعلى:1] في الجزء السادس عشر من مجموع الفتاوى (ص:110) في كلام مجمل عن أدلة علو الله: "والنفاة للعلو ونحوه من الصفات معترفون بأنه ليس مستندهم خبر الأنبياء -لا الكتاب ولا السنة ولا أقوال السلف - ولا مستندهم فطرة العقل وضرورته، ولكن يقولون: معنا النظر العقلي"، وهذا يذكرنا بآخر ما سبق من كلام المصنف أن الذين ينكرون علو الله سبحانه وتعالى متفقون معنا على أنه لا دليل لهم من القرآن ولا من السنة، ولا من كلام السلف أو إجماعهم، وإنما يقولون: لا يوجد لدينا أي دليل سوى دليل النظر العقلي، ونجد ذلك في أعظم كتبهم التي كتبت في إنكار الصفات، ومن أشهرها كتاب أساس التقديس للرازي، فإنه لا يذكر في هذا الموضع -كما لا يذكر في كثير من المواضع- أي دليل من كتاب الله أو سنة رسول الله صلى الله عليه وسلم على إنكار العلو، وهل يمكن لأحد أن يقول: إن في كتاب الله دليلاً على أن الله لا داخل العالم ولا خارجه، ولا فوقه ولا تحته، ولا عن يمينه ولا عن شماله و... إلخ؟! ولا يوجد ذلك في السنة، ولا في كلام السلف قطعاً، ولذلك كان المتكلمون يقولون: دليلنا النظر العقلي، وفي الحقيقة ليس معهم إلا كلام بعض فلاسفة اليونان وأفراخهم!
قال شيخ الإسلام رحمه الله: "أما أهل السنة المثبتون للعلو فيقولون: إن ذلك ثابت بالكتاب والسنة والإجماع مع فطرة الله التي فطر العباد عليها، وضرورة العقل، ومع نظر العقل، واستدلاله"، يعني: أن الفطرة -وهي بدهية لا تحتاج إلى استدلال- وأيضاً العقل الضروري ببداهته من غير نظر ولا استدلال كلاهما يثبت وجود الله تبارك وتعالى، وكذلك العقول السليمة تثبت بالنظر والاستدلال أيضاً علو الله تبارك وتعالى.